‏إظهار الرسائل ذات التسميات خواطر. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات خواطر. إظهار كافة الرسائل

حرب أم سلم؟


أفئدة مقهورة...
جراح عميقة...
قلوب مكسورة...
دماء تنزف...
دموع تنهمر...
أرواح تستغيث...
أهاذي حرب أم سلم؟؟؟
إن كانت حربا فأين العدو؟؟؟
وإن كانت سلما فلم كل هؤلاء الضحايا؟؟؟
أيكفي في السمع الندا؟؟
لقد أسمعت لو ناديت حيا...
ولكن... لا حياة لمن تنادي...
حرب لم تختلف عن كل الحروب...
إلا في أمر واحد ووحيد...
الغاصب هو المغصوب عليه...
الجاني هو المجني عليه...
الظالم هو المظلوم...
وحتى تضع الحرب أوزارها
ثورة نحتاج
ثورة فيها ينهض الثائرون ضد أنفسهم
ضد أهوائهم... ضد شهواتهم...
ثورة تقودها الضمائر الحية...
ثورة سلاحها العلم....

لكن أين الثوار؟؟؟


رسالة إلى فتاة... بمناسبة نهاية السنة


   اليوم هو آخر يوم من سنة 2016م، إلا أن هذا لا يعدو كونه رقما بالنسبة لنا كنا مسلمين، فلتتخذيه محطة تتوقفين عندها هنيهة، ولتسألي نفسك: ما الذي قمت بتحقيقه خلالها، هل كانت سنة عادية وكنت شخصا عاديا فيها، أم تركت بصمة حقّقت شيئا خلالها، ولو من خلال فكرة نافعة، موقف صغير مؤثر، أو كلمة بسيطة عميقة... فلا يجب أن تستصغري أي عمل تقومين به مادمت مخلصة في جهدك، فكما قال الرسول الأكرم: "إنما الأعمال بالنّيات، وإنّما لكلّ امرئ ما نوىفإذا كانت النية صادقة مخلَصة فإن الله تعالى سيوفقك لتحقيق ما تصبين إليه لا محالة. حاولي أن تتوقفي لحظة وتحصري كل ما قمت به ولو كان بسيطا، ثم ضعي لنفسك هدفا أن تكون هذه القائمة أطول وأكثر أهمية السنة المقبلة، ولا تستصعبي الأمر على نفسك فأنت تستطيعين التفوق والتميز والنجاح.

   كوني متيقنة أنك أحد أعمدة المجتمع والأمة الإسلامية، نجاحها يتوقف على نجاحك، رقيّها مبني على رقيّ فكرك ووعيك، وارتفاعها عاليا لا يكون إلا بارتفاع وعلو هِمَّتك وطموحك، وعلى العكس انحطاطها هو نتيجة حتمية لانحطاط الفتاة والمرأة بالتبع.
اعلمي أن جميع أعداء مجتمعنا وأمتنا الاسلامية يكيدون لك ويستهدفونك ليكيدوا بك وينخروا المجتمع من الداخل، فإنهم يبثون السم من خلال جميع قنوات التواصل المتاحة؛ من الأفلام والمسلسلات، والفضائيات عموما وكذا الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعية، وصولا إلى الكتب والمجلات والجرائد، وغيرها... يعملون على تسميم أفكارك حتى تصبحي كالدودة التي تأكل قلب الفاكهة فلا يظهر الضرر إلا وقد أتت على كلها فلا يصلح منها شيء إلا للمزبلة.

   اعلمي أنّ أمامك مسؤولية عظيمة، فأنت تحملين مصير الأمة على كتفيك، ولن تكوني قادرة على حمل هذه المسؤولية إلا عن طريق العلم، طبعا بعد أن تضعي قدميك على قاعدة صلبة متينة من المبادئ والأخلاق، وتستنيري بالعفة والطهارة، وتتزودي بالطاعة؛ طاعة الله تعالى، وطاعة الرسول عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، ثم طاعة الوالدين اللذين في رضاهما رضا الله عز وجل.

   انهلي من العلم ولا تتواني عن فعل ذلك، لا تفشلي ولا تستسلمي، لأن العلم نور يجعلك تبصرين وسط الظلام، فالأعمى يصف له الناس ما حوله فيصدقهم لأنه بكل بساطة لا يبصر، كذلك الجاهل يصدق كل ما يُقال له لأنه لا يعلم. تسلّحي بالعلم وواجهي كل ما يقف في طريقك، بل حاربيه بسلاح العلم نفسه.

   تذكري في النهاية أن أمل الأمة فيك معلق، وأنتِ عنها مسؤولة، فهل أنتِ مستعدة لتحمل هذه المسؤولية، وتعدِّين لها العُدَّة اللازمة؟

نور أضاء بصيرتي


نـُورٌ أَضاءَ بَصِيَرتي فَأضـاءَني   لمَّـا تَـذَكْرَتُ الحَبيـبَ مُحَمَّـدَا
وكَأنَّما سَطَعَتْ شُمُوسٌ في دَمـِي   وكأنَّمــا قَمَرُ السَـمَاءِ تَعـَـدَّدا
فَبِـذِكْرهِ يحلـو الوجُـودُ فَنرتَقي   يا حظَّ مَنْ باسمِ الحَبيـبِ تَـزوَّدا

   فعلا بذكره يحلوا الوجود، ولكن لن نرتقيَ إلا باتباعه، فهذا النور الذي أضاء بصيرتي جعلني أتساءل يوم الاحتفال بذكرى مولده صلى الله عليه وآله:
   هل نهتمُّ بالمُحتفى به أم بالاحتفال؟.. هل نقدس المذكور أم الذكرى؟... ألسنا نخدع أنفسنا حين نحتفل بذكرى مولد النبي، ونزعم أننا نغتنم هذه الفرصة حتى نُذكّر أنفسنا بسيرته، ثم ننساه إلى يوم الذكرى من العام المقبل، فأرى أننا بعيدون كل البعد عن سنته عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، وذكره لا يكاد يَرِد على ألسنتنا في سائر الأيام.…
   كيف يمكننا أن نحتفل به يوما، ونخون احتفالنا هذا كل يوم؟... ألسنا نضحك على أنفسنا عندما نَلبس أجمل الثياب، وأمامنا من يرتجف من البرد لا يملك ما يلبس؟.
   بربكم أخبروني كيف نقيم أشهى وألذ وأكبر الولائم، وجيراننا لا يملكون لقمة العيش احتفالا بمن وصى بالجار؟..
   إن الاحتفال والفرحة تكمن في شمعة نوقدها في قلوبنا أو قلوب... وليست في شمعة نوقدها في ذكرى ميلاد المصطفى... حبيبنا الذي أضاءت سُنَّته ملايير الشموع في القلوب ولازالت تضيء...
   إن الاحتفال يكمن في كسوة فقير، وسد جوعه... لا في التنافس حول أجمل الثياب أو أكبر الولائم...
   إن السرور يكمن في تأمين مشرد من قسوة الطبيعة خاصة ونحن في فصل الشتاء... لا في ترويع مؤمن وحرق أموال في مفرقعات وقنابل وحروب في الشوارع... احتفالا بمن قال "من روّع مسلما روّعه الله يوم القيامة"...
   كيف لا وهو من قال "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" ، أفتُرانا نحتفل به ونحن نفتقر إلى أبسط الأخلاق؟
   لما لا نحتفل مثلما كان يصوم هو كل يوم إثنين لأنه يوم مولده؟ لما لا نحتفل به بذكره كل يوم؟ بالتعلم من سنته والاقتداء بها؟ فهو الذي في ليلة ولادته عليه الصلاة والسلام ارتجس إيوان كسرى وسقطت منه أربع عشرة شرفة، وخمدت نار فارس، ولم تخمد قبل ذلك بألف عام، وجف ماء بحيرة ساوى، ومن الآيات التي ظهرت بمولده صلى الله عليه وسلم، أن إبليس اللعين حُجب عن خبر السماء، وصاح ورنّ رنّةً عظيمة كما رنّ حين لُعن وحين أُخرج من الجنة، وحين وُلد النبي، وحين نَزلت الفاتحة، وسُمِعَ من أجواف الأصنام ومن أصوات الهوَاتف بالبشارة بظهور الحق في وقت الزوال.
   اخوة الإيمان، قد يحتفل المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها اليوم شكرًا لله تعالى على بروز سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم لهذه الدنيا، فكان ضياءًا شعَّ على الأرض فأخرج أهلها من أحلك الظلمات إلى النور، كان هدًا أنقذ الناس من الظلال، كان قرآنًا يمشي على رجلين حتى نتأسى به ونتبع سنّته.
   أتوقف هنا وأقول: يا رسول الله...
أنا ما أَتيتُكَ يا حَبيبـي مَادحــاً    يَكفِيـكَ مَدْحُ اللهِ والتَمجِـيـــدُ
فَصِفَاتُ خَلْقِكَ في الكِتَابِ كَثيـرَةٌ    لَيسـتْ لهـا حَدٌ .. ولا تَحديـــدُ
أنا هَائمٌ في نُورِ حُبِّـكَ ذَائِـبٌ     فَأَظـلُّ أَبكـى... والغَرَامُ يَزِيـــدُ
   وأختم بهذه الأبيات : 
الله أكبرُ والزمان ُ المظلمُ قد غابَ مذ جاءَ النبيُّ الأكرمُ
قوموا له وعلى يديهِ تعلموا سُبُلَ السلام ِ ونوِّروا أنحاها
ما نحنُ لولا أنت إلا داءُ    ولأنتَ يا شرفَ الوجودِ دواءُ
    دعونا نعد إلى سيرة النبي، ففيها الدواء والنور، ولنجعل احتفالنا هذا لله شكرًا، ولنتمم شكرنا بالعمل. 
   اللهَ تعالى أسأل أن يعيد علينا هذه المناسبة العظيمة بالأمن والأمان والبركة والخير العميم، لنسأل أنفسنا كيف كان الشكر والعمل.

في القلب شيء...


ولا يزيد القلب قسوة إلا قسوة الحياة...
فدم الجراح تغذي ابتسامة على الوجه نرسمها...
بها نغطي ألما، يعجز أمامه أي أمل...
 فيصبح نطق الكلمات، أشد من المخاض... 
 كلمات، تعجز عن حملها الأوراق...
ففي القلب شيء... لا يعلمه سوى رب كل شيء
نورالدين الواهج

بين عالمين…


بين عالمين… فكرة دائمًا ما تراودني، ويزداد تعلُّقي بها كلَّ يومٍ وبعد كلِّ تجربة، فكرة أن الإنسان يعيش في عالمين اثنين، أمَّا الأول فهو في دائرته الخاصة القريبة منه، أما الثانية فعالم حدوده تتسع وتبتعد كلما حاولنا الوصول إليها.

في الدائرة الخاصة نجد ما هو متعلق بالشخص ذاته، محيطه الأسري والمهني والاجتماعي… أهدافه أحلامه وآماله الشخصية… الأشياء المحيطة به، المعلومات التي اكتسبها والمهارات التي أتقنها… ببساطة كل ما يتعامله معه أو به أو من خلاله في حياته اليومية.

خارج حدود هذه الدائرة الخاصة نجد الكثير الكثير مما يستحيل ذكره كلَّه، لكن أكتفي بالإشارة إلى بعض الأمور التي قد تساعد في إيضاح الفكرة، فخارج هذه الحدود نجد الأمة والإنسانية جمعاء، لا، بل نجد كل العالم بما يحويه من نبات حيوان أو جماد، ولكل هؤلاء نجد أحلامًا وآمالاً، نجد آلامًا وأحزانًا… نجد من العلم ما لم نستطع التعرف عليه حتى، نجد من المهارات ما لا يمكننا تجبرتها ناهيك عن التمكن منها جميعًا… نجد من العادات والثقافات ما لم يتمكن خيالنا يوما رسمه لنا… والكثير الكثير…

كلّما حاول الواحد منّا الخروج من تلك الدائرة، اكتشف ضيقها وصغر حجمها ومحدوديتها، اكتشف أنّ جميع مشاكله لا تساوي شيئا أمام المشاكل التي تواجه الجميع خارجها، اكتشف أنّ أحزانه وآلامه ما هي إلا قطرة من محيط لا قعر ولا ساحل له مقارنة بما هو خارج تلك الدائرة…

كلّما حاول الإنسان الخروج من دائرة معارفه، اكتشف مدى جهله وأيقن أنّ لحظات الغرور التي تأخذه أحيانًا بسبب جدال فاز فيه، أو سؤال أجاب عليه، أكبر خطيءة قد يرتكبها، كلما خرج من تلك الدائرة ازداد إيمانه أن تلك الدائرة التي كان يغرق فيها أحيانًا ما هي إلا نقطة متناهية الصغر في فضاء متناهي الكبر، تماما مثلما نرى حجم الكرة الأرضية من الداخل أو من الخارج، فرق كبير يا عم.

إذا تزاوجت اللا نهايتان (لا نهاية صغر حجم الدائرة التي يعيش فيها الإنسان، ولا نهاية كبر ما خارجها) داخل عقل أي شخص، ولدت حكمة لا متناهية مضاعفة…

لكن متى يمكن لـ "اللا نهايتين" أن تتزاوجا؟ بل هل هذا ممكن؟
نورالدين الواهج

آه يا قلبي...!


آه يا قلبي الجريح
كم من الدم عليك أن تفقد حتى تستريح
كم من الدمع عليك أن تستبيح
منحتهم من المساحة المكان الفسيح
فقابلوا عطاءك بشيء شحيح

آه يا قلبي الحزنان
قدّمت لهم الحب والحنان
رموك بالشوك والخذلان
زرعت فيهم الثقة والاطمئنان
فقطفت منهم الذل والهوان

آه يا قلبي المغبون
إنّا في زمنٍ، الطّيب فيه مجنون
أمّا الخِبُّ، فهو المكرّم المصون

دع القلب يبكي ولا تبالي، فمهما وصل صوتك إلى الأعالي
تنادي... ولو ناديت لأسمعت حيا... لكن لا حياة لمن تنادي

دع العين تدمع، ولو كان الدمع للقدر عاجزا أن يدفع
فالقلب يبكي، والروح تفجع...

نورالدين الواهج

كن نور نفسك


قد تنطفئ جميع الأضواء أمامنا ....
ويبتعد الجميع من حولنا .....
نجد أنفسنا وحيدين وسط ظلام دامس ....
يلقي الصمت غطاءه على كل شيء....
لكن.... لكن سرعان ما ينطلق صوت من داخلنا ينادي...
ينادي ويصرخ عاليا: "
-ما بك ؟
-ماذا جرى لك؟
-أترضى أن تموت وأنت حي؟
-وكل هذه اﻵمال داخلك تقتلها ببرودة دم؟
-كل شيء حلمت به يومًا من حقه أن يتحقق، أيرضيك أن تسلبه حقه؟
 -كل حال تصورت أن تكون فيها، لم تتصورها إلا لأنك تستطيع أن تصل إليها."
 فنجيبه:"
-لكن كل الأبواب موصدة...
-لكن كل اﻵمال على حبل المشنقة معلقة...
-لكن كل الطرق أمامنا مقفلة...
-لكن كل شيء أردناه لم يكن...
-لكن ..."
"كيف تقول هذا وأنت تملك من اﻹرادة ما يلزم، إنك تركتها نائمة، أيقضها وحقق المستحيل، قد تقول أن كل شيء أردته لم يكن، لكن أنظر إلى نفسك أين أنت اليوم وأين كنت أمس؟ أنظر إلى الدنيا من حولك، إنها تسير وتسير وتسير، إنها لا تنتظر، كن مصدر النور الذي تحتاجه، امنح أحلامك فرصة في الحياة، امنحها من وقتك، امنحها من جهدك، وكل على يقين أنها عندما تحيى لن تتوانى عن منحك السعادة والهناء، وراحة النفس. فقط امنحها شيئا من نفسك، وستغرقك بالعطاء بعدها.
فما كان بعد المنع إلا العطاء...
ولا بعد العسر إلا يسرًا....
وما كان بعد القطيعة إلا الوصال...
ولا بعد اليأس إلا اﻷمل...
وما كان بعد الغروب إلا الشروق...
فإن لم يأت بعد الظلام نور، كنت أنت نور نفسك."
نورالدين الواهج

من أجل كل بسمة …


من أجل كل بسمة تخفي ألمًا...
من أجل ألم يختبئ وراءه أمل محتشمًا...
ما كان هذا الألم يومًا دائمًا…
فبعد كل غروب كان الشروق قادمًا…

من أجل كل بسمة تخفي حزنًا
إنّ مع كل عسر يسرًا، من الرحمان خبرًا يقينًا…
حزنك هذا لن يكون إلا دخانًا… والفضاء له حاضنًا...
ومهما طال بك الأسى فإن البهجة ستكون لك يوما عنوانًا…

من أجل كل بسمة تخفي غيرها…
سينقضي الظلام ويقبل الضياء…
سينتهي عصر العذاب ويبدأ عصر الارتياح…
إن لكل شيء جمالا، ولكل حادثة خيرا، ولكل وقعة حكمة…
فخذ الجمال والخير والحكمة، واجعلهم ألوانًا لبسمتك…
فما وهبت هذه الحياة إلا لأنه بمقدورك تخطّي كل الصعوبات فيها…
فاجعل بسمتك تلك تنبع من الداخل…
واجعل بسمتك تلك تقلب آلامك آمالا، وأوجاعك لذة، وأحزانك سرورا…
نورالدين الواهج

رغم المعاناة، رغم أنف المستعمر والعدو

تلاميذ مدرسة تجمع "أبو النوار" بعد هدم المستدمر لمدرستهم

هاهو التاريخ يعيد نفسه، رأينا قبل أيام "حفاة الأرجل ولكن…" كانوا جزائريين في الخمسينيات أيام الاستدمار، وها نحن اليوم مع صورة جديدة لأبناء فلسطين أبناء القدس، يعانون الأمرّين، بين يدي برد قارص، تحت قطرات المطر، لا سقف يحميهم، ولا جدران تضُمُّهم تمنع عنهم الريح العاتية، ولا مدفأة تردّ عنهم البرد الشديد، رغم كل هذا لا زال إيمانهم بأن العلم هو المفتاح.
نعم العلم هو المفتاح والباب والطريق، إنه جسر النجاح والنجاة، لكن هل نؤمن بهذا حقًا؟ أم نحن في حاجة إلى مستعمر (أو بالأصح مستدمر) يسلب منَّا حرّيتنا حتى نستفيق؟ تحدثت في مقالة ماضية عن "أعظم كلمة عرفتها البشرية" إنها كلمة إقرأ، كيف نزلت، وكيف خصّها الله تعالى باهتمام كبير كإشارة لأهمية وعظمة العلم وطلبه، فـ "الشاخص في طلب العلم كالمجاهد في سبيل الله" (كما قال الإمام عليٌّ كرّم الله وجهه).
نرى في الكثير من الصور والمشاهد كيف يولي من كان في حالة لا يحسد عليها اهتمامًا كبيرا بالعلم، بل وصارت المدارس ملاجئ لهم، وجدوا الحرية في السباحة في بحر العلوم، وجدوا المتنفس بين يدي اﻷساتذة والمشائخ، ونحن في نعمة وألف نعمة، لكن هل لنا نفس الحرقة على طلب العلم؟ هل علينا أن نكون في نفس الوضع حتى نسارع إلى تطوير أنفسنا؟
علينا أن نحسّ ونستشعر الحاجة والنقص الذي نعاني منه، فاﻹنسان مهما بلغ من تطور ورقي، إلّا أنّه مازال يستطيع التقدم أكثر، وهو بحاجة دائمة إلى العلم على اﻷقل حتى يحافظ على ذاك المستوى، فمن لم يكن في زيادة فهو في نقصان.
قبل أيام كنت في طهران عاصمة الحضارة الإيرانية، تعجّبت كثيرًا لاهتمامهم بالعلم، لكن ما عجبت له أكثر هو وجود كشك في كل محطة مترو، به عالم وعالمة دين، إن كان لك أي استفسار حول مسألة فقهية يمكنك أن تجدهم بالقرب منك وفي أي وقت، تسألهم عن حاجتك فيجيبون لك، تصوروا وفي العاصمة وحدها حوالي 300 كلم من خطوط المترو، وفي كل محطة عالمين، تصوروا هذا العدد الهائل من العلماء، ونحن كم من عارفين في الدين عندنا؟ وهل مستوى هؤلاء العارفين يرقى لأن يقارن بمستوى أولائك؟ هذا إن تحدثنا عن علماء الشريعة فقط، فكيف بعلماء التخصصات الدنيوية، وهم لديهم أفضل الأطباء والمهندسين، إضافة الاكتفاء الذاتي تقريبًا في كل المجالات، حتى وأنت تتجول في مكتباتهم تجد أنّ أكثر من 95% من الكتب كلها في اللغة الفارسية، هذا في المكتبات قرب الجامعة، والكتب في التخصصات التقنية والطبية والهندسية… فهذا إن دلّ على شيء فإنه يدلّ على عدم حاجتهم للغرب، وأن النجاح صنعوه بأيديهم…

جامعة أزاد الإسلامية بقزوين

إنهم أمة آمنوا بأن العلم هو المـخَلِّص، عرفوا مكانة العلم، فالعالم كله اليوم يشهد بقوتهم ومكانتهم، لقد احتلوا مكانة عظيمة يحسب لها ألف حساب، ما كانوا مستعمرين مثل استعمار فرنسا للجزائر، ولا مثل استعمار إسرائيل لفلسطين … لكنهم استشعروا الحاجة فحوّلُوها إلى قوة، ضيّق عليهم العدو وأغلق أمامهم اﻷبواب، فأثبتوا له أنهم ليسوا بحاجة إلى فضله حتى يحقق التطور والنجاح، إنهم مثال على التضحية واﻹيمان القوي.
سواء أبناء الجزائر في الخمسينيات، أو أبناء إيران أمس واليوم، أو أبنا فلسطين غدًا، صنعوا ويصنعون مجدًا بأيد فارغة، وأرجل حافية، بل بمنع وتضييق من الخارج، فما هو المجد الذي من المفروض أن نبنيه وقد فتحت أمامنا جميع اﻷبواب، ومدّت إلينا جميع اﻷيادي؟… 
نورالدين الواهج

حفاة الأرجل ولكن...

قيل أن هذه الصورة أخذت لتلاميذ جزائريين سنوات الخمسينيات، نعم إنهم:
حفاة اﻷرجل ولكن... عيونهم ملئى بحب العلم...
حفاة اﻷرجل ولكن... البسمة لم تفارق محياهم، فهم بصحبة أستاذ وقلم...
حفاة اﻷرجل ولكن... السعادة تغمرهم، فهم في حضرة سبورة وطبشور...
حفاة اﻷرجل ولكن... عقولهم كلها شغف للاستزادة في العلم...
حفاة اﻷرجل ولكن... قلوبهم يعتصرها حب الكلمات والمعلومات...
حفاة اﻷرجل... إلاّ أنّ صدورهم سكنها نور يضيء سبيلهم، ويفتح أمامهم كل اﻷبواب...
حفاة اﻷرجل لكن السعادة تشعّ من نظراتهم البريئة، فهم أمام جنة لا حدود لها، هم أمام جنة العلم، إنهم يعانون اﻷمرين، لكنهم يجدون الراحة في طلب العلم، يجدون المتعة في الذهاب إلى المدرسة، يجدون المتعة في الاكتشاف والتعلم، ما وجدوا الوسائل المتاحة أمامنا اليوم لكنهم حققوا نجاحات أبهرت العالم، ما وجدوا اﻷنترنات لكنهم ساروا مئات الكيلوميترات، لا لشيء فقط ليبحثوا عن صحيح المعلومات، سهروا الليالي حتى يصلوا إلى المعالي، رغم الاستعمار، رغمر الاستدمار، إلاّ أنّهم كانوا على يقين بأن الخلاص لن يكون منبعه إلا من المدرسة، فذهبوا حفاة ولم يمنعم لا برد ولا شتاء، لم يردهم لا فقر ولا جوع، لم يثبط عزيمتهم لا مشاكل ولا قلاقل، إنهم أبناء عرفوا فتيقنوا بأن العلم هو أساس الحرية، إنه سرّ الخلاص من كل القيود، إنّه مفتاح اﻷمل، إنه الطريق نحو النجاح.
هؤلاء كانوا حفاة، فأين نحن منهم؟ هل يصح أن نقارن أنفسنا معهم؟ وقد وجد أغلبنا الملبس والمأكل والمشرب، واﻷمن بالخصوص، هذا دون الحديث عن باقي الكماليات التي هي للبعض ضروريات، هل من تعليق فتحريك؟ أم سنكتفي بالتأثر دقيقة ثم ننسى؟ أم ماتت القلوب والعقول؟
نورالدين الواهج

إنّ مع العسر يسرًا

لا شيء يمنعنا من تحقيق أحلامنا وآمالنا، لا شيء يوقفنا عن تحقيق ما نريد ونصبو إليه، فإرادتنا وحدها تحدد ما إن كنا سنصل إلى تحقيق أهدافنا أو لا، قوة إيماننا بأفكارنا تجعلها تنزل لتكون حقيقة على أرض الواقع.
فمهما اشتدت بنا المواقف ومهما صعبت أمامنا دروب الحياة لابد من مخرج، فـ إن مع العسر يسرا، وإن السماء لتراها تارة صافية وتارة يعكرها الغيوم لتتساقط اﻷمطار، فإن تعكّر يومك فاعلم أن المطر آت لا محالة. كما أنّ الدنيا ليست لنا، ترمينا بالأوجاع والهموم واﻷسقام، تُثقلنا بفقدان الأهل والأحبة، قد يكون فراقا فيزيائيا بمفارقتهم الحياة -رحم الله جميع موتى المسلمين-، أو فقدانا معنويا بابتعادهم عنا، أو عدم موافقتهم لنا، فسيدنا نوح عليه السلام رفض ابنه الركوب معه، ولوط عليه السلام رفضت زوجته دعوته، فربما يعاديك أقرب الناس إليك ربما يتخلى عنك في أشد اللحظات صعوبة من كنت تؤمن أنه لن يتركك، لكن يقول الله تبارك وتعالى: ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ (25) فَرَاغَ إِلَىٰ أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (27) فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (28) فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (29) قَالُوا كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (30)﴾ صدق الله العظيم
عندما أتى الملائكة ليبشروا سيدنا إبراهيم عليه السلام بغلام حين كانت زوجته في عمر اليأس والعجز عن الحمل والولادة إلا إن الله تعالى قال لها ولنا إنه هو الحكيم العليم ... فقد جاءت البشارة في الغلام الذي يمثل الجيل الجديد بعد سيدنا إبراهيم عليه السلام، الأمل الجديد لهذا العالم. ومع هذا الحدث العظيم أرسلوا إلى مهمة أخرى عظيمة وهي في قول الله تعالى: ﴿قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (31) قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ (32) لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن طِينٍ (33) مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ (34) ﴾ وهم قوم لوط عليه السلام أرسلهم لتطبيق وعيد الله على الظالمين، فلو ربطنا الآية الأولى مع الثانية لوجدنا علاقة عجيبة ففي الأولى بعد اليأس وطول انتظار جاء فرج من الله على سيدنا إبراهيم وزوجه بولد صالح يعوض حرمانهما من الذرية طوال تلك السنين، يعوض صبرهما. أمّا في الثانية فبعد صبر سيدنا لوط عليه السلام مع قومه في دعوتهم، وغلوّهم عليه، وبعد أن هدد بالطرد من مدينته عليه السلام إلا أن الله فرج عليه هو وقومه الذين آمنوا معه، وهذا أيضا يعتبر ميلاد جيل جديد متق مؤمن. هكذا يؤكد الله سبحانه أنه لا يدوم الظلم واليأس والقهر والمعاناة أبدا، لكن مع اتخاذ الأسباب المؤدية إلى زوالهم، لذا لنتفائل خيرا للمستقبل القريب ولنبقى قريبين من الله سبحانه، فالله تعالى قال في آية واضحة﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْر صدق الله العظيم.
فمع اﻹيمان، واﻹرادة لتحقيق التمكين والخلافة، يأتي دافع قوي للعمل والنظر للأمام، يمنعك من الالتفات إلى جانبي الطريق، ويركز جهدك على المضي قدما مهما وجدت نفسك وحيدا.
أما إبمانك بالله عز وجل وثقتك به سيدفعانك إلى اﻷمام أكثر، فإن الله عز وجل هو الوحيد الذي لن يتخلى عنك، لن يتركك وحيدا ما دمت لم تترك ذكره والتعلق به، سيكون دائما إلى جانبك في كل وقت وحين ما دمت مؤمنا به، متوكلا عليه، ما دمت تستشيره أولا، تستعين به قبل أي شيء.
نورالدين الواهج

سقط السلام وحل الظلام


كنت في سلام قبل أن أتعرف عليك قبل أن تعترضي طريقي، كنت أحكم بلدي مثل السلطان قبل أن تأسري قلبي واصبح كالعبد المملوك... كنت أجلس تحت ضوء الشمس... أستمتع بشعاعها يلاعب وجهي، يتخلل عيناي... لكن اليوم أجلس أنتظر قدومك من السماء، مثلما فعلت أول يوم. أحدثها، اشكوها همي وقلبي الحزين... كنت في سلام أنام اليل في هناء، لا شيء يشغل بالي، اليوم... اليوم وقد أصبحت أسِيرَكِ لا يغمض لي جفن، فكل تفكيري بك انت. عيناك... أنسى العالم ولا أنساهما، لا يحزنني غياب شيء... لكن يقتلني غيابك انت، يعذبني بعدك عني. كنت ملِكا لا ينقصه شيء من حوله، لكن اﻵن... لا شيء يتمم ما حولي غير وجودك أنت، لا شيء جميل أمامي غير عينيك أنت، كنت استمتع بصوت الطبيعة وصوت العندليب... لكن اليوم أصبحت اسمع صوت القنابل والدمار عندما يغيب صوتك أنت.
كنت في سلام قبل أن أتعرف عليك أنت، ما كان لي أعداء... لكن اليوم أصبحت بلا أصدقاء، فكل اهتمامي بك أنت وكل تفكيري بك أنت وكل نظري لك أنت. أعيش الحرب كل يوم وليلة. أعيش الحرب من أجل حريتي... لكن لا اعتقد أني سأنالها... حتى يُحمل نعشي. ما أضن السلام يحل يوما بعد أن نزلتِ أرض بلادي، رغم كل التحذيرات التي تلقيتها... رغم كل البرقيات التي وصلت من أقرب الناس... لكن نظرة في عينيك كانت كافية لألقي كل ذلك وراء ظهري. كنت الأقوى بدون جيش ولا سلاح، وأصبحت الأضعف وكل العالم في صفي. طالما اعتقدت أني سأعيش في سلام دائم رغم كثير التهديدات... لكن سقط كل عرشي قبل أن يرتد إلي طرفي دون إنذار أو تهديد منك أنت.

سقط السلام وحل الظلام، طار الهدوء وحطت الفوضى في بلاد النظام، عهدت شعبي يعمل في سكون دون هدر ولا ثرثرة، لكن انقلبت الموازين اليوم... فلا شيء يشغل مجالسهم غير ملِكهم الحزين، ملِكهم الذي فقد كل عرشه حين قدومك أنت، كان كل من في المملكة يطرق بابه، لكن اليوم هو من يطرق كل باب بحثا عنك أنت، هبت عواصف في قلبه، فحلت اللعنات أرجاء المدينة، لا أحد يستطيع النوم وصوت الملك يدوّي باسمك أنت، لقد احتلت الأشباح مدينتنا، لم أتخيل يوما أني سأعيش لحظة كهذه، لحظة ضعف وانكسار، لحظة حرب وقتال. ولو قدر لي أن أخسر هذه الحرب، فشرفي أنها كانت من أجلك أنت.
نورالدين الواهج
16 جويلية 2014

ارجوك التفتي...

حينما أجلس وحيدا أتذكرك أنت، أتذكر ذلك اليوم الذي سحرتني فيه، ﻻ أعلم ماذا جرى لي، وﻻ ما حدث لجوارحي، كنت أمشي وحيدا كعادتي، شارد الذهن في أول أيام من الامتحان في الجامعة، أفكر فيه وكيف سأجتازه، فإذا بملاك جالس أمامي، جالس وحيدا مثلي، شعرت أنه نزل من السماء خصيصا من أجلي، لكنه لم يعر لي انتباها، لعل هذا جزء من الامتحان، كان جالسا والشمس ترسل شعاعها لينعكس على وجهه، وليضيف نورا على نوره أعماني عن رؤية العالم من حولي، لأراك أنت، فلم أشعر بجسدي يتحرك نحوك، ولم أشعر بلساني ليلقي بالتحية فتقابل برد أسرني، جرني لأجلس بجنبك دون حتى استئذان، رأيت جمالا ينبع من عينيك ﻻ وجود له في الكون بأسره، تتحدثين هنا بجانبي، تحت أشعة الشمس المشرقة، في هذه اللحظة الرائعة، أيقنت أنك الأروع، جسمي هنا لكني كنت أحلق هناك بين النجوم، فعينيك كانتا الكون الفسيح في نظري، يناديني لأسبح فيه لأغرق فيه، كيف؟ كيف لم ألاحظ هذا الملك السماوي منذ أول يوم لي هنا، لابد أنه قدم من مكان ما من مكان بعيد من غير العالم الذي أعيش فيه. فمجرد الجلوس بجنبك للحظة أنساني هَمَّ الامتحان والجامعة واﻷساتذة، أنساني كل شيء، لأتذكرك أنت وحدك طول حياتي، مجرد سماع كلمات تنبع من شفتيك الطاهرتين، جعلني أتأكد أني كنت أصما لم أسمع قط صوت حقيقة، صوتك أنت، مجرد نظرة في عينيك جعلت ما سواهما ﻻ يستحق أن أنظر إليه.
أنت لؤلؤة أضاءت في طريقي، حاولت أن ألتقطها، لكنها أفلتت مني، حاولت مرارا وتكرارا لكن دون جدوى، يا لحظي التعيس، حاولت وحاولت، إلى أن فقدت اﻷمل، فقدت الحياة، أصبحت كالمحيط بلا ماء، كالسفينة بلا شراع ولا قبطان، صرت جسدا بلا روح ولا حياة ولا أمل، صرت كتلة من لحم وعظم تسير في هذه الدنيا بلا غاية ولا هدف، فقد كنت أنت نوري في الحياة، أنت هدفي الذي أحيا له، أنت أملي الذي أقاتل وأموت من أجله، لكن اليوم ها قد ذهبت وتركتني جنديا من غير سلاح بين صفوف العدو.
يضيئ الفجر ثم ينسحب، مثل أمواج البحر، لا أستطيع توقع متى تعلو ولا متى تدنو، أعيش في ترقب ورجاء، أنتظر يوما تعودين فيه من أجلي، لتضيئي أمامي الطريق، إني ضائع ﻻ أعلم أين أنا ولا في أي طريق أسير، أنت قائدي وشراعي في بحر الحياة، أنت أملي ورجائي، أنت سبب وجودي، أرجوك عودي، التفتي إلى ذاك المكان، لا زلت هناك، في نفس المكان أين أسرتني، إني جالس انتظر قدومك لتخلصيني، كل يوم أنتظر ابتسامتك التي تشفي جميع عللي، أنتظر منك أن تعيد الحياة لي، أنتظر لمسة منك تنسيني من أنا اﻵن، وتعيدني ذلك الشخص الذي كان جالسا بجنبك يومها، في ذلك الكرسي، تحت أشعة الشمس المشرقة تلك، في ذلك البرد الذي كنت ترتجفين بسببه، وكذلك كنت، فقط أرجوك التفتي.
نورالدين الواهج

الكتابة

لقد ابتعدت عن الكتابة لمدة، فبدأت أشعر أني الغريب وأنا في منزلي، أني البعيد عن أهلي وأنا أعيش بينهم، أني التائه في الطريق الواحد الواضح، لكن في الحقيقة كنت بعيدًا عن روحي التي لم أدعها تتحدث عن نفسها، التي لم أدردش معها منذ مدة، التي أسكَتّها عن البوح بما في داخلها.
فعلا الكتابة متنفس للروح والقلب، حين نمسك بالقلم وندعه يرقص في الورقة، يرسم كلمات صادقة نابعة من أعماق صدورنا، دون شعور منا بقوتها بعظمتها بأبعادها، إلا حين ننتهي من كتابة تلك السطور، فنقرأها ثم ثم نتساءل؛ من هذا الشخص الذي نطق بهذه الكلمات؟ هناك جواب واحد؛ إنه الروح الساكنة داخلنا، في الجانب الذي ﻻ نﻻحظه ﻻ نراه من ذواتنا، لكن من خلال تلك الجمل والعبارات نكتشفه ونتعرف عليه أكثر، فيقودنا إلى مكان ﻻ نعلمه، أقل ما يمكن القول عنه، أنه المكان المنشود لنا، المكان المناسب لأمثالنا.
فخذ القلم ودع روحك تقودك إليه.
نورالدين الواهج

أعظم كلمة عرفتها البشرية...

الكلمة التي غيرت مجرى التاريخ


عند بداية مطالعتي لكتاب "البوصة القرآنية" للدكتور أحمد خيري العمري، استوقفتني المقدمة الثاني في كثير من الأقوال التي وردت فيها أردت أن ألخصها في الفقرات القليلة التالية:

خلق الله الإنسان وأرسل إليه الأنبياء، فكان خاتمهم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، هذا النبي العظيم الذي - من الواجب أن – نسير على نهجه إلى يومنا هذا.

كان الخطاب الإلهي في السابق يعتمد على الإعجاز الحسي، حيث كان تعالى يخاطب في الإنسان حواسه، لكن مع المصطفى عليه الصلاة والسلام كان مختلفا، حين استعمل الخطاب الروحي الوجداني، حيث خاطب في الإنسان عقله لا حواسه لما قال كلمته الأولى "اقرأ" حجر الأساس الذي وضعه عز وجل لتأسيس علاقة إلهية جديدة؛ بطاقة تعريف للوحي الروحي الجديد.

ولكن كان لأي شخص أن يطرح سؤالا عن التناقض: (كيف ينزل أول أمر "اقرأ" على أمي) هنا يكون جوابي: هنا يكمن السر، فهذا الذي تسميه تناقضا هو الذي حرر "اقرأ" من مفهومها الضيق؛ قراءة الكتابة والمكتوب، إلى المفهوم الأوسع؛ قراءة تأملية في الكون الواسع وتصفح في أسراره وخباياه، قراءة تعبدية في النفس البشرية والغوص في أعماقها بحثا عن الكنوز الدفينة، ذلك هو العلم الذي فرضه وجوده في كل حبة خرذل، في كل نسمة هواء، عاطفة حب، نزعة خير أو شر، وكل الأمور التي تدفع النفس إلى السمو نحو قمة الجمال والشموخ، أو تهوي بها في قعر الرذيلة والانحطاط. ذلك هو العلم الإلهي علم التأمل التعبدي.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: 'أطلبوا العلم من المهد إلى اللحد' لكن الله تعالى كان أبلغ حين قال في أول ثلاث آيات أنزلها: "اِقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الذِّي خَلَقَ، خَلَقَ الإنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اِقْرَأْ ..." حيث أنه سبحانه وتعالى ذكر الحياة (حين ذكر مرحلة من مراحل تكون الجنين) بعد اقرأ مباشرة وقب اقرأ مباشرة، فهذا الأمر يدعو إلى التوقف والتأمل ولو للحظة.
كان حديث الرسول صلى الله عليه وسلم عن العلم بين الحياة والموت، لكن حديث الله تعالى كان عن الحياة بين العلم أو في وسطه، وفي ذكر ذلك إشارة إلى:
- على الإنسان أن يجع من العلم أول هدف له (بعد رضوان الله تعالى) وأول وسيلة ينبغي أن نتبعها للنجاح في الدنيا والآخرة، فهي العبادة التي على أساسها فرضت كل العبادات.
- ذكر الله مرحلة واحدة من مراحل تشكل الإنسان اللاإرادية وجوبا، فهذا من باب تسمية الكل بالجزء. فهنا إذا كان الإنسان قد استكمل كل المراحل التطورية اللاإرادية مثله مثل أي مخلوق آخر فلا أرى أي تكريم عن المخلوقات، ولكن هنا يكمن التكريم وهي المرحل الاختيارية، مرحلة "اقرأ" فهنا الإنسان مخير له أن يكون كأي مخلوق أو أن يكون شيئا مميزا حتى عن أبناء آدم –إخوته-
- وهنا أضيف أنه إذا كان الإنسان قد قصر في أداء أول فرض "اقرأ" فأنى له أن يلتزم بالفروض الأخرى.
نورالدين الواهج