نـُورٌ أَضاءَ بَصِيَرتي فَأضـاءَني لمَّـا تَـذَكْرَتُ الحَبيـبَ مُحَمَّـدَا
وكَأنَّما سَطَعَتْ شُمُوسٌ في دَمـِي وكأنَّمــا قَمَرُ السَـمَاءِ تَعـَـدَّدا
فَبِـذِكْرهِ يحلـو الوجُـودُ فَنرتَقي يا حظَّ مَنْ باسمِ الحَبيـبِ تَـزوَّدا
فعلا بذكره يحلوا الوجود، ولكن لن نرتقيَ إلا باتباعه، فهذا النور الذي أضاء بصيرتي جعلني أتساءل يوم الاحتفال بذكرى مولده صلى الله عليه وآله:
هل نهتمُّ بالمُحتفى به أم بالاحتفال؟.. هل نقدس المذكور أم الذكرى؟... ألسنا نخدع أنفسنا حين نحتفل بذكرى مولد النبي، ونزعم أننا نغتنم هذه الفرصة حتى نُذكّر أنفسنا بسيرته، ثم ننساه إلى يوم الذكرى من العام المقبل، فأرى أننا بعيدون كل البعد عن سنته عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، وذكره لا يكاد يَرِد على ألسنتنا في سائر الأيام.…
كيف يمكننا أن نحتفل به يوما، ونخون احتفالنا هذا كل يوم؟... ألسنا نضحك على أنفسنا عندما نَلبس أجمل الثياب، وأمامنا من يرتجف من البرد لا يملك ما يلبس؟.
بربكم أخبروني كيف نقيم أشهى وألذ وأكبر الولائم، وجيراننا لا يملكون لقمة العيش احتفالا بمن وصى بالجار؟..
إن الاحتفال والفرحة تكمن في شمعة نوقدها في قلوبنا أو قلوب... وليست في شمعة نوقدها في ذكرى ميلاد المصطفى... حبيبنا الذي أضاءت سُنَّته ملايير الشموع في القلوب ولازالت تضيء...
إن الاحتفال يكمن في كسوة فقير، وسد جوعه... لا في التنافس حول أجمل الثياب أو أكبر الولائم...
إن السرور يكمن في تأمين مشرد من قسوة الطبيعة خاصة ونحن في فصل الشتاء... لا في ترويع مؤمن وحرق أموال في مفرقعات وقنابل وحروب في الشوارع... احتفالا بمن قال "من روّع مسلما روّعه الله يوم القيامة"...
كيف لا وهو من قال "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" ، أفتُرانا نحتفل به ونحن نفتقر إلى أبسط الأخلاق؟
لما لا نحتفل مثلما كان يصوم هو كل يوم إثنين لأنه يوم مولده؟ لما لا نحتفل به بذكره كل يوم؟ بالتعلم من سنته والاقتداء بها؟ فهو الذي في ليلة ولادته عليه الصلاة والسلام ارتجس إيوان كسرى وسقطت منه أربع عشرة شرفة، وخمدت نار فارس، ولم تخمد قبل ذلك بألف عام، وجف ماء بحيرة ساوى، ومن الآيات التي ظهرت بمولده صلى الله عليه وسلم، أن إبليس اللعين حُجب عن خبر السماء، وصاح ورنّ رنّةً عظيمة كما رنّ حين لُعن وحين أُخرج من الجنة، وحين وُلد النبي، وحين نَزلت الفاتحة، وسُمِعَ من أجواف الأصنام ومن أصوات الهوَاتف بالبشارة بظهور الحق في وقت الزوال.
اخوة الإيمان، قد يحتفل المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها اليوم شكرًا لله تعالى على بروز سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم لهذه الدنيا، فكان ضياءًا شعَّ على الأرض فأخرج أهلها من أحلك الظلمات إلى النور، كان هدًا أنقذ الناس من الظلال، كان قرآنًا يمشي على رجلين حتى نتأسى به ونتبع سنّته.
أتوقف هنا وأقول: يا رسول الله...
أنا ما أَتيتُكَ يا حَبيبـي مَادحــاً يَكفِيـكَ مَدْحُ اللهِ والتَمجِـيـــدُ
فَصِفَاتُ خَلْقِكَ في الكِتَابِ كَثيـرَةٌ لَيسـتْ لهـا حَدٌ .. ولا تَحديـــدُ
أنا هَائمٌ في نُورِ حُبِّـكَ ذَائِـبٌ فَأَظـلُّ أَبكـى... والغَرَامُ يَزِيـــدُ
وأختم بهذه الأبيات :
الله أكبرُ والزمان ُ المظلمُ قد غابَ مذ جاءَ النبيُّ الأكرمُ
قوموا له وعلى يديهِ تعلموا سُبُلَ السلام ِ ونوِّروا أنحاها
ما نحنُ لولا أنت إلا داءُ ولأنتَ يا شرفَ الوجودِ دواءُ
دعونا نعد إلى سيرة النبي، ففيها الدواء والنور، ولنجعل احتفالنا هذا لله شكرًا، ولنتمم شكرنا بالعمل.
اللهَ تعالى أسأل أن يعيد علينا هذه المناسبة العظيمة بالأمن والأمان والبركة والخير العميم، لنسأل أنفسنا كيف كان الشكر والعمل.