أحيانا نجد أنفسنا في مواقف تحتاج منّا إلى ردة فعل سريعة وآنية، لكن في أوقات أخرى يكون الصبر والأناة أفضل خيار، فليست كل حركة بركة، وخطوة نخطوها في غير محلها أو وقتها المناسبين قد تكون لنا مهلكة، فالتعقل من صفات الحكيم العالم بموضع رجله ومنتهى مساره.
وفي اللحظات التي يكون فيها الإنسان مظلوما تظهر مدى حكمته في اجتياز موقفه الصعب هذا، واستغلاله لصالحه، فعادة لحظات كهذه تولد لدى الإنسان طاقة اندفاعية عظيمة، ورغبة في الانتقام لا يوقفها سوى إيمان المرء بمبادئه وأهدافه العليا، فحتى لو أهينت كرامته وحط من قيمته، فإنه سيكبح جماح عواطفه إكراما لغاياته السامية وآماله المنشودة، يكظم غيضه، يحبس براكين مشاعره، ليحول بذلك لحظة الضعف والانكسار، إلى لحظة قوة وانتصار، فلحظة العفو والحلم، هي لحظة ميلاد جديد في التاريخ.
وصبر المرء عن القيام بردة فعل، من أجل أهداف أرقى، يصوره لنا الأستاذ فتح الله كولن في صورة "الدجاج الحضون" أو "الطائر الحضون"؛ ذلك الطائر الذي يبقى جالسا حاضنا لبيوضه، رغم قدرته على الطيران بعيدا، على التحليق في السماء والاستمتاع بالطبيعة آكلا شاربا لاعبا مغردا ينتقل بين الأغصان راقصا… إنه يصبر على كل هذا من أجل أن تمنح تلك البيوض حياة لتعيشها، إنها الغاية التي من أجلها يضحي هذا الطائر ويصبر، فعلينا أن نعلم أنفسنا أن نكون مثل هذا الطائر الحضون؛
"فلو هشم أخوك فاك، وسالت الدماء، ثم لقيت عدوك فقل : إنها طماطم"
يقول الأستاذ فتح الله، بهذا تحافظ على وحدة صفك أمام العدو، ولا تظهر الخلافات الداخلية أمامه حتى لا يستغلها ضدك، فإن وحدة الصف أهم أمر نصبر من أجله، ووحدة الجماعة أهم وسيلة من أجل تحقيق غاياتنا والوصول إلى أهدافنا السامية، وعلى الجماعة أن تكون على وعي تام بواقعها آمالها ومسارها حتى تقدر على الوصول ونيل مبتغاها، كما عليها أن تصبر وتتماسك أمام التحديات والأزمات مثل تماسك مجتمع البطاريق حين …
نورالدين الواهج