‏إظهار الرسائل ذات التسميات خواطر. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات خواطر. إظهار كافة الرسائل

حرب أم سلم؟


أفئدة مقهورة...
جراح عميقة...
قلوب مكسورة...
دماء تنزف...
دموع تنهمر...
أرواح تستغيث...
أهاذي حرب أم سلم؟؟؟
إن كانت حربا فأين العدو؟؟؟
وإن كانت سلما فلم كل هؤلاء الضحايا؟؟؟
أيكفي في السمع الندا؟؟
لقد أسمعت لو ناديت حيا...
ولكن... لا حياة لمن تنادي...
حرب لم تختلف عن كل الحروب...
إلا في أمر واحد ووحيد...
الغاصب هو المغصوب عليه...
الجاني هو المجني عليه...
الظالم هو المظلوم...
وحتى تضع الحرب أوزارها
ثورة نحتاج
ثورة فيها ينهض الثائرون ضد أنفسهم
ضد أهوائهم... ضد شهواتهم...
ثورة تقودها الضمائر الحية...
ثورة سلاحها العلم....

لكن أين الثوار؟؟؟


رسالة إلى فتاة... بمناسبة نهاية السنة


   اليوم هو آخر يوم من سنة 2016م، إلا أن هذا لا يعدو كونه رقما بالنسبة لنا كنا مسلمين، فلتتخذيه محطة تتوقفين عندها هنيهة، ولتسألي نفسك: ما الذي قمت بتحقيقه خلالها، هل كانت سنة عادية وكنت شخصا عاديا فيها، أم تركت بصمة حقّقت شيئا خلالها، ولو من خلال فكرة نافعة، موقف صغير مؤثر، أو كلمة بسيطة عميقة... فلا يجب أن تستصغري أي عمل تقومين به مادمت مخلصة في جهدك، فكما قال الرسول الأكرم: "إنما الأعمال بالنّيات، وإنّما لكلّ امرئ ما نوىفإذا كانت النية صادقة مخلَصة فإن الله تعالى سيوفقك لتحقيق ما تصبين إليه لا محالة. حاولي أن تتوقفي لحظة وتحصري كل ما قمت به ولو كان بسيطا، ثم ضعي لنفسك هدفا أن تكون هذه القائمة أطول وأكثر أهمية السنة المقبلة، ولا تستصعبي الأمر على نفسك فأنت تستطيعين التفوق والتميز والنجاح.

   كوني متيقنة أنك أحد أعمدة المجتمع والأمة الإسلامية، نجاحها يتوقف على نجاحك، رقيّها مبني على رقيّ فكرك ووعيك، وارتفاعها عاليا لا يكون إلا بارتفاع وعلو هِمَّتك وطموحك، وعلى العكس انحطاطها هو نتيجة حتمية لانحطاط الفتاة والمرأة بالتبع.
اعلمي أن جميع أعداء مجتمعنا وأمتنا الاسلامية يكيدون لك ويستهدفونك ليكيدوا بك وينخروا المجتمع من الداخل، فإنهم يبثون السم من خلال جميع قنوات التواصل المتاحة؛ من الأفلام والمسلسلات، والفضائيات عموما وكذا الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعية، وصولا إلى الكتب والمجلات والجرائد، وغيرها... يعملون على تسميم أفكارك حتى تصبحي كالدودة التي تأكل قلب الفاكهة فلا يظهر الضرر إلا وقد أتت على كلها فلا يصلح منها شيء إلا للمزبلة.

   اعلمي أنّ أمامك مسؤولية عظيمة، فأنت تحملين مصير الأمة على كتفيك، ولن تكوني قادرة على حمل هذه المسؤولية إلا عن طريق العلم، طبعا بعد أن تضعي قدميك على قاعدة صلبة متينة من المبادئ والأخلاق، وتستنيري بالعفة والطهارة، وتتزودي بالطاعة؛ طاعة الله تعالى، وطاعة الرسول عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، ثم طاعة الوالدين اللذين في رضاهما رضا الله عز وجل.

   انهلي من العلم ولا تتواني عن فعل ذلك، لا تفشلي ولا تستسلمي، لأن العلم نور يجعلك تبصرين وسط الظلام، فالأعمى يصف له الناس ما حوله فيصدقهم لأنه بكل بساطة لا يبصر، كذلك الجاهل يصدق كل ما يُقال له لأنه لا يعلم. تسلّحي بالعلم وواجهي كل ما يقف في طريقك، بل حاربيه بسلاح العلم نفسه.

   تذكري في النهاية أن أمل الأمة فيك معلق، وأنتِ عنها مسؤولة، فهل أنتِ مستعدة لتحمل هذه المسؤولية، وتعدِّين لها العُدَّة اللازمة؟

نور أضاء بصيرتي


نـُورٌ أَضاءَ بَصِيَرتي فَأضـاءَني   لمَّـا تَـذَكْرَتُ الحَبيـبَ مُحَمَّـدَا
وكَأنَّما سَطَعَتْ شُمُوسٌ في دَمـِي   وكأنَّمــا قَمَرُ السَـمَاءِ تَعـَـدَّدا
فَبِـذِكْرهِ يحلـو الوجُـودُ فَنرتَقي   يا حظَّ مَنْ باسمِ الحَبيـبِ تَـزوَّدا

   فعلا بذكره يحلوا الوجود، ولكن لن نرتقيَ إلا باتباعه، فهذا النور الذي أضاء بصيرتي جعلني أتساءل يوم الاحتفال بذكرى مولده صلى الله عليه وآله:
   هل نهتمُّ بالمُحتفى به أم بالاحتفال؟.. هل نقدس المذكور أم الذكرى؟... ألسنا نخدع أنفسنا حين نحتفل بذكرى مولد النبي، ونزعم أننا نغتنم هذه الفرصة حتى نُذكّر أنفسنا بسيرته، ثم ننساه إلى يوم الذكرى من العام المقبل، فأرى أننا بعيدون كل البعد عن سنته عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، وذكره لا يكاد يَرِد على ألسنتنا في سائر الأيام.…
   كيف يمكننا أن نحتفل به يوما، ونخون احتفالنا هذا كل يوم؟... ألسنا نضحك على أنفسنا عندما نَلبس أجمل الثياب، وأمامنا من يرتجف من البرد لا يملك ما يلبس؟.
   بربكم أخبروني كيف نقيم أشهى وألذ وأكبر الولائم، وجيراننا لا يملكون لقمة العيش احتفالا بمن وصى بالجار؟..
   إن الاحتفال والفرحة تكمن في شمعة نوقدها في قلوبنا أو قلوب... وليست في شمعة نوقدها في ذكرى ميلاد المصطفى... حبيبنا الذي أضاءت سُنَّته ملايير الشموع في القلوب ولازالت تضيء...
   إن الاحتفال يكمن في كسوة فقير، وسد جوعه... لا في التنافس حول أجمل الثياب أو أكبر الولائم...
   إن السرور يكمن في تأمين مشرد من قسوة الطبيعة خاصة ونحن في فصل الشتاء... لا في ترويع مؤمن وحرق أموال في مفرقعات وقنابل وحروب في الشوارع... احتفالا بمن قال "من روّع مسلما روّعه الله يوم القيامة"...
   كيف لا وهو من قال "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" ، أفتُرانا نحتفل به ونحن نفتقر إلى أبسط الأخلاق؟
   لما لا نحتفل مثلما كان يصوم هو كل يوم إثنين لأنه يوم مولده؟ لما لا نحتفل به بذكره كل يوم؟ بالتعلم من سنته والاقتداء بها؟ فهو الذي في ليلة ولادته عليه الصلاة والسلام ارتجس إيوان كسرى وسقطت منه أربع عشرة شرفة، وخمدت نار فارس، ولم تخمد قبل ذلك بألف عام، وجف ماء بحيرة ساوى، ومن الآيات التي ظهرت بمولده صلى الله عليه وسلم، أن إبليس اللعين حُجب عن خبر السماء، وصاح ورنّ رنّةً عظيمة كما رنّ حين لُعن وحين أُخرج من الجنة، وحين وُلد النبي، وحين نَزلت الفاتحة، وسُمِعَ من أجواف الأصنام ومن أصوات الهوَاتف بالبشارة بظهور الحق في وقت الزوال.
   اخوة الإيمان، قد يحتفل المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها اليوم شكرًا لله تعالى على بروز سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم لهذه الدنيا، فكان ضياءًا شعَّ على الأرض فأخرج أهلها من أحلك الظلمات إلى النور، كان هدًا أنقذ الناس من الظلال، كان قرآنًا يمشي على رجلين حتى نتأسى به ونتبع سنّته.
   أتوقف هنا وأقول: يا رسول الله...
أنا ما أَتيتُكَ يا حَبيبـي مَادحــاً    يَكفِيـكَ مَدْحُ اللهِ والتَمجِـيـــدُ
فَصِفَاتُ خَلْقِكَ في الكِتَابِ كَثيـرَةٌ    لَيسـتْ لهـا حَدٌ .. ولا تَحديـــدُ
أنا هَائمٌ في نُورِ حُبِّـكَ ذَائِـبٌ     فَأَظـلُّ أَبكـى... والغَرَامُ يَزِيـــدُ
   وأختم بهذه الأبيات : 
الله أكبرُ والزمان ُ المظلمُ قد غابَ مذ جاءَ النبيُّ الأكرمُ
قوموا له وعلى يديهِ تعلموا سُبُلَ السلام ِ ونوِّروا أنحاها
ما نحنُ لولا أنت إلا داءُ    ولأنتَ يا شرفَ الوجودِ دواءُ
    دعونا نعد إلى سيرة النبي، ففيها الدواء والنور، ولنجعل احتفالنا هذا لله شكرًا، ولنتمم شكرنا بالعمل. 
   اللهَ تعالى أسأل أن يعيد علينا هذه المناسبة العظيمة بالأمن والأمان والبركة والخير العميم، لنسأل أنفسنا كيف كان الشكر والعمل.

في القلب شيء...


ولا يزيد القلب قسوة إلا قسوة الحياة...
فدم الجراح تغذي ابتسامة على الوجه نرسمها...
بها نغطي ألما، يعجز أمامه أي أمل...
 فيصبح نطق الكلمات، أشد من المخاض... 
 كلمات، تعجز عن حملها الأوراق...
ففي القلب شيء... لا يعلمه سوى رب كل شيء
نورالدين الواهج

بين عالمين…


بين عالمين… فكرة دائمًا ما تراودني، ويزداد تعلُّقي بها كلَّ يومٍ وبعد كلِّ تجربة، فكرة أن الإنسان يعيش في عالمين اثنين، أمَّا الأول فهو في دائرته الخاصة القريبة منه، أما الثانية فعالم حدوده تتسع وتبتعد كلما حاولنا الوصول إليها.

في الدائرة الخاصة نجد ما هو متعلق بالشخص ذاته، محيطه الأسري والمهني والاجتماعي… أهدافه أحلامه وآماله الشخصية… الأشياء المحيطة به، المعلومات التي اكتسبها والمهارات التي أتقنها… ببساطة كل ما يتعامله معه أو به أو من خلاله في حياته اليومية.

خارج حدود هذه الدائرة الخاصة نجد الكثير الكثير مما يستحيل ذكره كلَّه، لكن أكتفي بالإشارة إلى بعض الأمور التي قد تساعد في إيضاح الفكرة، فخارج هذه الحدود نجد الأمة والإنسانية جمعاء، لا، بل نجد كل العالم بما يحويه من نبات حيوان أو جماد، ولكل هؤلاء نجد أحلامًا وآمالاً، نجد آلامًا وأحزانًا… نجد من العلم ما لم نستطع التعرف عليه حتى، نجد من المهارات ما لا يمكننا تجبرتها ناهيك عن التمكن منها جميعًا… نجد من العادات والثقافات ما لم يتمكن خيالنا يوما رسمه لنا… والكثير الكثير…

كلّما حاول الواحد منّا الخروج من تلك الدائرة، اكتشف ضيقها وصغر حجمها ومحدوديتها، اكتشف أنّ جميع مشاكله لا تساوي شيئا أمام المشاكل التي تواجه الجميع خارجها، اكتشف أنّ أحزانه وآلامه ما هي إلا قطرة من محيط لا قعر ولا ساحل له مقارنة بما هو خارج تلك الدائرة…

كلّما حاول الإنسان الخروج من دائرة معارفه، اكتشف مدى جهله وأيقن أنّ لحظات الغرور التي تأخذه أحيانًا بسبب جدال فاز فيه، أو سؤال أجاب عليه، أكبر خطيءة قد يرتكبها، كلما خرج من تلك الدائرة ازداد إيمانه أن تلك الدائرة التي كان يغرق فيها أحيانًا ما هي إلا نقطة متناهية الصغر في فضاء متناهي الكبر، تماما مثلما نرى حجم الكرة الأرضية من الداخل أو من الخارج، فرق كبير يا عم.

إذا تزاوجت اللا نهايتان (لا نهاية صغر حجم الدائرة التي يعيش فيها الإنسان، ولا نهاية كبر ما خارجها) داخل عقل أي شخص، ولدت حكمة لا متناهية مضاعفة…

لكن متى يمكن لـ "اللا نهايتين" أن تتزاوجا؟ بل هل هذا ممكن؟
نورالدين الواهج

آه يا قلبي...!


آه يا قلبي الجريح
كم من الدم عليك أن تفقد حتى تستريح
كم من الدمع عليك أن تستبيح
منحتهم من المساحة المكان الفسيح
فقابلوا عطاءك بشيء شحيح

آه يا قلبي الحزنان
قدّمت لهم الحب والحنان
رموك بالشوك والخذلان
زرعت فيهم الثقة والاطمئنان
فقطفت منهم الذل والهوان

آه يا قلبي المغبون
إنّا في زمنٍ، الطّيب فيه مجنون
أمّا الخِبُّ، فهو المكرّم المصون

دع القلب يبكي ولا تبالي، فمهما وصل صوتك إلى الأعالي
تنادي... ولو ناديت لأسمعت حيا... لكن لا حياة لمن تنادي

دع العين تدمع، ولو كان الدمع للقدر عاجزا أن يدفع
فالقلب يبكي، والروح تفجع...

نورالدين الواهج

كن نور نفسك


قد تنطفئ جميع الأضواء أمامنا ....
ويبتعد الجميع من حولنا .....
نجد أنفسنا وحيدين وسط ظلام دامس ....
يلقي الصمت غطاءه على كل شيء....
لكن.... لكن سرعان ما ينطلق صوت من داخلنا ينادي...
ينادي ويصرخ عاليا: "
-ما بك ؟
-ماذا جرى لك؟
-أترضى أن تموت وأنت حي؟
-وكل هذه اﻵمال داخلك تقتلها ببرودة دم؟
-كل شيء حلمت به يومًا من حقه أن يتحقق، أيرضيك أن تسلبه حقه؟
 -كل حال تصورت أن تكون فيها، لم تتصورها إلا لأنك تستطيع أن تصل إليها."
 فنجيبه:"
-لكن كل الأبواب موصدة...
-لكن كل اﻵمال على حبل المشنقة معلقة...
-لكن كل الطرق أمامنا مقفلة...
-لكن كل شيء أردناه لم يكن...
-لكن ..."
"كيف تقول هذا وأنت تملك من اﻹرادة ما يلزم، إنك تركتها نائمة، أيقضها وحقق المستحيل، قد تقول أن كل شيء أردته لم يكن، لكن أنظر إلى نفسك أين أنت اليوم وأين كنت أمس؟ أنظر إلى الدنيا من حولك، إنها تسير وتسير وتسير، إنها لا تنتظر، كن مصدر النور الذي تحتاجه، امنح أحلامك فرصة في الحياة، امنحها من وقتك، امنحها من جهدك، وكل على يقين أنها عندما تحيى لن تتوانى عن منحك السعادة والهناء، وراحة النفس. فقط امنحها شيئا من نفسك، وستغرقك بالعطاء بعدها.
فما كان بعد المنع إلا العطاء...
ولا بعد العسر إلا يسرًا....
وما كان بعد القطيعة إلا الوصال...
ولا بعد اليأس إلا اﻷمل...
وما كان بعد الغروب إلا الشروق...
فإن لم يأت بعد الظلام نور، كنت أنت نور نفسك."
نورالدين الواهج

من أجل كل بسمة …


من أجل كل بسمة تخفي ألمًا...
من أجل ألم يختبئ وراءه أمل محتشمًا...
ما كان هذا الألم يومًا دائمًا…
فبعد كل غروب كان الشروق قادمًا…

من أجل كل بسمة تخفي حزنًا
إنّ مع كل عسر يسرًا، من الرحمان خبرًا يقينًا…
حزنك هذا لن يكون إلا دخانًا… والفضاء له حاضنًا...
ومهما طال بك الأسى فإن البهجة ستكون لك يوما عنوانًا…

من أجل كل بسمة تخفي غيرها…
سينقضي الظلام ويقبل الضياء…
سينتهي عصر العذاب ويبدأ عصر الارتياح…
إن لكل شيء جمالا، ولكل حادثة خيرا، ولكل وقعة حكمة…
فخذ الجمال والخير والحكمة، واجعلهم ألوانًا لبسمتك…
فما وهبت هذه الحياة إلا لأنه بمقدورك تخطّي كل الصعوبات فيها…
فاجعل بسمتك تلك تنبع من الداخل…
واجعل بسمتك تلك تقلب آلامك آمالا، وأوجاعك لذة، وأحزانك سرورا…
نورالدين الواهج

رغم المعاناة، رغم أنف المستعمر والعدو

تلاميذ مدرسة تجمع "أبو النوار" بعد هدم المستدمر لمدرستهم

هاهو التاريخ يعيد نفسه، رأينا قبل أيام "حفاة الأرجل ولكن…" كانوا جزائريين في الخمسينيات أيام الاستدمار، وها نحن اليوم مع صورة جديدة لأبناء فلسطين أبناء القدس، يعانون الأمرّين، بين يدي برد قارص، تحت قطرات المطر، لا سقف يحميهم، ولا جدران تضُمُّهم تمنع عنهم الريح العاتية، ولا مدفأة تردّ عنهم البرد الشديد، رغم كل هذا لا زال إيمانهم بأن العلم هو المفتاح.
نعم العلم هو المفتاح والباب والطريق، إنه جسر النجاح والنجاة، لكن هل نؤمن بهذا حقًا؟ أم نحن في حاجة إلى مستعمر (أو بالأصح مستدمر) يسلب منَّا حرّيتنا حتى نستفيق؟ تحدثت في مقالة ماضية عن "أعظم كلمة عرفتها البشرية" إنها كلمة إقرأ، كيف نزلت، وكيف خصّها الله تعالى باهتمام كبير كإشارة لأهمية وعظمة العلم وطلبه، فـ "الشاخص في طلب العلم كالمجاهد في سبيل الله" (كما قال الإمام عليٌّ كرّم الله وجهه).
نرى في الكثير من الصور والمشاهد كيف يولي من كان في حالة لا يحسد عليها اهتمامًا كبيرا بالعلم، بل وصارت المدارس ملاجئ لهم، وجدوا الحرية في السباحة في بحر العلوم، وجدوا المتنفس بين يدي اﻷساتذة والمشائخ، ونحن في نعمة وألف نعمة، لكن هل لنا نفس الحرقة على طلب العلم؟ هل علينا أن نكون في نفس الوضع حتى نسارع إلى تطوير أنفسنا؟
علينا أن نحسّ ونستشعر الحاجة والنقص الذي نعاني منه، فاﻹنسان مهما بلغ من تطور ورقي، إلّا أنّه مازال يستطيع التقدم أكثر، وهو بحاجة دائمة إلى العلم على اﻷقل حتى يحافظ على ذاك المستوى، فمن لم يكن في زيادة فهو في نقصان.
قبل أيام كنت في طهران عاصمة الحضارة الإيرانية، تعجّبت كثيرًا لاهتمامهم بالعلم، لكن ما عجبت له أكثر هو وجود كشك في كل محطة مترو، به عالم وعالمة دين، إن كان لك أي استفسار حول مسألة فقهية يمكنك أن تجدهم بالقرب منك وفي أي وقت، تسألهم عن حاجتك فيجيبون لك، تصوروا وفي العاصمة وحدها حوالي 300 كلم من خطوط المترو، وفي كل محطة عالمين، تصوروا هذا العدد الهائل من العلماء، ونحن كم من عارفين في الدين عندنا؟ وهل مستوى هؤلاء العارفين يرقى لأن يقارن بمستوى أولائك؟ هذا إن تحدثنا عن علماء الشريعة فقط، فكيف بعلماء التخصصات الدنيوية، وهم لديهم أفضل الأطباء والمهندسين، إضافة الاكتفاء الذاتي تقريبًا في كل المجالات، حتى وأنت تتجول في مكتباتهم تجد أنّ أكثر من 95% من الكتب كلها في اللغة الفارسية، هذا في المكتبات قرب الجامعة، والكتب في التخصصات التقنية والطبية والهندسية… فهذا إن دلّ على شيء فإنه يدلّ على عدم حاجتهم للغرب، وأن النجاح صنعوه بأيديهم…

جامعة أزاد الإسلامية بقزوين

إنهم أمة آمنوا بأن العلم هو المـخَلِّص، عرفوا مكانة العلم، فالعالم كله اليوم يشهد بقوتهم ومكانتهم، لقد احتلوا مكانة عظيمة يحسب لها ألف حساب، ما كانوا مستعمرين مثل استعمار فرنسا للجزائر، ولا مثل استعمار إسرائيل لفلسطين … لكنهم استشعروا الحاجة فحوّلُوها إلى قوة، ضيّق عليهم العدو وأغلق أمامهم اﻷبواب، فأثبتوا له أنهم ليسوا بحاجة إلى فضله حتى يحقق التطور والنجاح، إنهم مثال على التضحية واﻹيمان القوي.
سواء أبناء الجزائر في الخمسينيات، أو أبناء إيران أمس واليوم، أو أبنا فلسطين غدًا، صنعوا ويصنعون مجدًا بأيد فارغة، وأرجل حافية، بل بمنع وتضييق من الخارج، فما هو المجد الذي من المفروض أن نبنيه وقد فتحت أمامنا جميع اﻷبواب، ومدّت إلينا جميع اﻷيادي؟… 
نورالدين الواهج

حفاة الأرجل ولكن...

قيل أن هذه الصورة أخذت لتلاميذ جزائريين سنوات الخمسينيات، نعم إنهم:
حفاة اﻷرجل ولكن... عيونهم ملئى بحب العلم...
حفاة اﻷرجل ولكن... البسمة لم تفارق محياهم، فهم بصحبة أستاذ وقلم...
حفاة اﻷرجل ولكن... السعادة تغمرهم، فهم في حضرة سبورة وطبشور...
حفاة اﻷرجل ولكن... عقولهم كلها شغف للاستزادة في العلم...
حفاة اﻷرجل ولكن... قلوبهم يعتصرها حب الكلمات والمعلومات...
حفاة اﻷرجل... إلاّ أنّ صدورهم سكنها نور يضيء سبيلهم، ويفتح أمامهم كل اﻷبواب...
حفاة اﻷرجل لكن السعادة تشعّ من نظراتهم البريئة، فهم أمام جنة لا حدود لها، هم أمام جنة العلم، إنهم يعانون اﻷمرين، لكنهم يجدون الراحة في طلب العلم، يجدون المتعة في الذهاب إلى المدرسة، يجدون المتعة في الاكتشاف والتعلم، ما وجدوا الوسائل المتاحة أمامنا اليوم لكنهم حققوا نجاحات أبهرت العالم، ما وجدوا اﻷنترنات لكنهم ساروا مئات الكيلوميترات، لا لشيء فقط ليبحثوا عن صحيح المعلومات، سهروا الليالي حتى يصلوا إلى المعالي، رغم الاستعمار، رغمر الاستدمار، إلاّ أنّهم كانوا على يقين بأن الخلاص لن يكون منبعه إلا من المدرسة، فذهبوا حفاة ولم يمنعم لا برد ولا شتاء، لم يردهم لا فقر ولا جوع، لم يثبط عزيمتهم لا مشاكل ولا قلاقل، إنهم أبناء عرفوا فتيقنوا بأن العلم هو أساس الحرية، إنه سرّ الخلاص من كل القيود، إنّه مفتاح اﻷمل، إنه الطريق نحو النجاح.
هؤلاء كانوا حفاة، فأين نحن منهم؟ هل يصح أن نقارن أنفسنا معهم؟ وقد وجد أغلبنا الملبس والمأكل والمشرب، واﻷمن بالخصوص، هذا دون الحديث عن باقي الكماليات التي هي للبعض ضروريات، هل من تعليق فتحريك؟ أم سنكتفي بالتأثر دقيقة ثم ننسى؟ أم ماتت القلوب والعقول؟
نورالدين الواهج