‏إظهار الرسائل ذات التسميات العقل. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات العقل. إظهار كافة الرسائل

ذلك الشخص...


يعيش بيننا جميعا ذلك الشخص الذي لم يخرج من دائرته الضيقة، بإرادته أو عن غير إرادته... ذلك الشخص الذي لم يتذوق غير طعام أمّه وجيرانه وأصدقائه... ذلك الشخص الذي لم يذهب قطّ خارج الحدود التي يعرفها، قد تكون حدود حيّه بلدته أو بلده... ذلك الشخص الذي لم يطالع لغير من يعرف، فقرأ لأصدقائه على صفحات الفايسبوك، وربما طالع بعضا من آيات القرآن وبعضا من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، ممّا تلاه عليه أستاذه في مدرسة الحي، أمّا إن كسر القاعدة وقرأ لبعض الكتّاب الذين يلتقي أحيانا بأسمائهم في كتاب اللغة العربية أصبح ذلك المثقّف الذي يعرف كل شيء بين أصحابه...

إنّه ذلك الشخص الذي قيل له أنّ الفلسفة حرام، وأن المطالعة للملحدين فيها خطر على عقيدته، والمطالعة للمخالفين أخطر من ذلك كله لأنّها قد تؤدّي به إلى الانحراف فيؤدّي صلواته كلّها في الوقت، أو قد يلج إلى المنزل برجله اليسرى والعياذ بالله...

إنّه ذلك الشخص الذي يؤمن بأن أسلافه قد وجدوا حلولا لكل شيء فلا داعي للابتداع، فكل بدعة ضلالة... وكل شيء إلا وقد ورد ذكره في القرآن المعجز، فأعجز عقله عن التفكير والبحث، ومهما وصل الانسان إلى درجة من الاكتشاف إلا وجد له عبارة وردت قبل 14 قرنًا، لكنه عجز أن يسقطها على الواقع لأن القرآن معجز...

ذلك الشخص الذي يرى بأنّ أساتذته ومشائخه لا يمكن أن يكونوا على خطأ ما داموا على نفس الطريق الذي هم وجدوا عليه آباءهم، أولئك العباقرة الذين استطاعوا التغلّب على أينشتاين وتِسلا ونيوتن وغيرهم من الفلاسفة الدجّالين، فقط استطاعوا أن يشيّدوا حضارةً ويبنوا قصورًا والله سيعجز عن القيام بها أولئك...

إنّه ذلك الشخص الذي يرى بأن النظام الذي وضعه أجداده هو النظام المثالي والصحيح، وكيف لا يكون كذلك وقد استقاه من القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولا يزال مستمرًّا قائما لقرابة 100 سنة، فلا داعي لتغييره أو تحويره، وأي محاولة لذلك هي إيذان بحرب من الله ورسوله... ورغم أنه يرى بأن الواقع ليس بتلك المثالية إلّا أنه يؤمن بأن الخلل موجود في الشعب وليس في النظام، وعلى كل حال سيعيش أيامه المتبقية القليلة ويذهب إلى الجنة، والباقي؟ ليذهب إلى الجحيم...

كيف لا يذهب إلى الجنة وقد حفظ كل كلام قاله أساتذته، وطبّق كل ما كانوا يقومون به أيضًا... كيف لا والناس يدعونه إلى ولائمهم، أفراحهم وأقراحهم، يتبرّكون به... كيف لا والناس من حوله يسفِّقون له ويقدّمونه إمامًا عليهم... كيف لا وتلاميذه يرون بأنه عالِم معصوم يصدّقون كل ما يقول، حتى وأنهم التزموا بعدم المطالعة للمخالفين والملحدين والفلاسفة المشعودين، والتزموا بعدم محاورتهم والنقاش معهم أيضًا، وإن حاول غيرهم أن يفعل ذلك معهم قالوا له "سلامًا" تأسّيًا بالذين تحدث عنهم القرآن فقال "وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامً"...